في ظلال رحمة عمر
الرعية هم عِبَاد الله، وحق على كل من تولى أمرهم أن يحسن إليهم ويرعى أمورهم ويقضي حوائجهم، وقد قام الفاروق بذلك قيامًا حسنًا، واجتهد في الوصول إلى تلك البغية اجتهادًا شديدًا.
يروي ابن عباس رضي الله عنهما يقول:
كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها، فصلى صلوات لا يجلس فيها، فأتيت الباب فقلت: يا يرفأ، فخرج علينا يرفأ، فقلت: أبأمير المؤمنين شكوى؟
قال: لا. فبينا أنا كذلك إذ جاء عثمان فدخل يرفأ، ثم خرج علينا فقال:
قم يا ابن عفان، قم يا ابن عباس. فدخلنا على عمر وبين يديه صبر من مال، على كل صبرة منها كتف.
فقال: إني نظرت فلم أجد بالمدينة أكثر عشيرة منكما kخذا هذا المال فاقتسماه بين الناس، فإن فضل فضل فردا.
فأما عثمان فحثا، وأما أنا فجثيت لركبتى فقلت: وإن كان نقصانًا رددت علينا؟
فقال: شنشنة من أخشن- قال سفيان يعني حجرا من جبل- أما كان هذا عند الله إذ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون القد؟ !
قلت: بلى، ولو فتح عليه لصنع غير الذي تصنع. قال: وما كان يصنع؟ قلت: إذًا لأكل وأطعمنا.
قال: فرأيته نشج حتى اختلفت أضلاعه، وقال: لوددت إني خرجت منه كفافا، لا علي ولا لي.
وكان الفاروق رضي الله عنه يمر في الطرقات، ويدخل إلى الأسواق ليتعرف على أحوال الرعية، ويختبر آحوالهم و يقضي حوائجهم.
وفي البخاري بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. (البخاري – 3843)
فما أروع الفاروق الذي يقدر لغيره فضله وسابقته، ويكرم بذلك أهله وقومه.