الفئات المعاقة في الجزائر بقلم السيد نعمان عبد الغني يعاني ذوي الاعاقة في المجتمع الجزائري من مختلف أشكال التمييز على كافة الا صعدة منذ زمن بعيد. تاريخيا عزل ذوي الاعاقة عن المجتمع أو تشردوا أو تسولوا للحصول عل لقمة العيش وقد كانوا غير مرغوبين من قبل المجتمع أما المحظوظين منهم فكانوا يرتزقون عن طريق قراءة القران في المساجد أو ممارسة بعض المهن (الحرف) والأشغال اليدوية البدائية البسيطة واستمر الحال على ذلك حتى أواخر القرن الماضي حيث افتتحت العديد من المؤسسات لتشغيل وتدريب المعاقين إلا انه لم يستفيد منها إلا عدد قليل منهم ، وفي الثلاثينيات من القرن العشرين افتتحت بعض المدارس لتعليم المكفوفين حيث انتفع بها عدد لا بأس به منهم ، إلا أن الطابع العام لتلك الفترة وحتى أواخر الثمانينات من القرن العشرين كان يتصف بتكريس اعتما دية المعاقين على المؤسسات واعتبارهم فئة لا حول لها ولا قوة ، على الجميع أن يقدم لها المساعدة من قبيل الشفقة وبدوافع دينية أدت في الغالب إلى تعزيز نظرة الشفقة والإحسان لدى المجتمع نحو المعاقين .
ولم تركز جهود المؤسسات والجمعيات الخيرية في تلك الفترة على العوامل التي تؤثر في حياة المعاقين سواء أكانت موضوعية بيئية واجتماعية أو ذاتية جسدية ونفسية وتسمى هذا النوع بنموذج التأهيل أو "التأهيل الطبي " الذي اصبح مرفوضا من قبل العالم. في أواخر الثمانينات من القرن العشرين انطلقت تغييرات جوهرية في مختلف مناحي حياة المجتمع ال وكان من أهم الفئات التي تأثرت هي فئة ذوي الإعاقة الذين اصبحوا أبطالا في رأي المجتمع ونظره بدلا من عجزة تعرضوا للإعاقة لذنب ما أو عقوبة ربانية. خفت حدة الوصمة التي كانت ترافق المعاقين وبدأت عدة جهات بالعمل على إنشاء برامج تأهيل اكثر علمية ومهنية إلا أن المعاقين ظلوا مغيبين عن المشاركة في تخطيط وتنفيذ البرامج التي تخصهم ، حتى ظهور الاتحادات والجمعيات كحركة تغيير اجتماعية شكلت نقلة نوعية في التعامل مع قضايا المعاقين وحقوقهم واصبح التركيز منصبا -بفعل ضغط التنظيمات - على حقوق المعاقين في فرص متساوية وفي المشا كة بدلا من إيواءهم وتأهيلهم فقط وعلى المعيقات الاجتماعية و التي تحول بينهم وبين المشاركة الحقيقية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية . يشكل ذوي الاعاقات نسبة كبيرة من مجموع السكان من مختلف الأعمار ولصعوبة الحصول على بيانات رقمية مفصلة حول متغيرات العمر ونوع الإعاقة والجنس وفرص العمل من بيانات المنظمات والجمعيات وأياً كانت النسبة فهم يعانون من مختلف صنوف التمييز المقصودة وغير المقصودة ، وتأتي على أشكال مختلفة تتراوح بين العزل في البيوت وبين الحرمان من التعليم والعمل وبين التهميش أو المنع من المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والترفيهية وفيما يلي وصف لواقع هؤلاء في قطاعات العمل والتعليم والصحة والسكن والرياضة والترفيه والثقافة . أملين من خلاله أن نعكس صورة واقعية لنوع وحجم مشاركتهم في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية . أولا: واقع المعاقيين في قطاع العمل والتدريب المهني : ترتفع نسبة العاطلين عن العمل في صفوف المعوقين كثيرا وهذا يعود إلى عدة أسباب منها الموضوعية ومنها الذاتية . إن انخفاض نسبة العاملين من ذوي الاعاقات يجعلهم حتما اقل مشاركة من غيرهم في مختلف الأنشطة الاجتماعية والسياسية والثقافية ويسبب لهم ضغوطا نفسية تؤثر سلبا على مفهوم الذات والثقة بالنفس لديهم . يرتبط الفقر ارتباطا وثيقا بالإعاقة وقلما نجد الظروف الاقتصادية تزدهر لدى الأسر التي يكون أحد أعضائها أو اكثر من ذوي التحديات . تتلخص الأسباب المؤثرة في ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل من المعاقين في فيما يلي : 1. التكوين المهني : تنحصر فرص الشباب ذوي الاعاقات في التكوين المهني المهني قياسا بفرص أقرانهم حيث أن مراكز التكوين المهني تفتقر إلى التسهيلات الملائمة في المباني المستعملة لهذا الغرض مما يعيق من إمكانيات وصول المعاقين حركيا إلى هذه المباني واستعمالها بحرية واستقلالية . كما انه لا تتوفر في مراكز التكوين المهني الخبرات الفنية الكافية لدى طواقمها البشرية مما يحد من إمكانية استيعاب المعاقين في هذه المراكز و انتفاعهم بخدماتها ، هذا بالإضافة إلى انه لا تتوفر لدى هذه المراكز السياسات و البرامج التي من شانها تسهيل دمج الشباب من ذوي الاعاقات ، ولا توجد بها التعديلات اللازمة على الآلات المستخدمة التي يحتاج إليها بعض الشباب ذوي الاعاقات من المتدربين ، عوضا عن الأفكار التي يحملها أعضاء طواقم مراكز التكوين عن ذوي الاعاقات التي تكون في الغالب غير مشجعة على الالتحاق بهذه المراكز . تدفع هذه الأسباب ذوي الاعاقات من الشباب للالتحاق بمراكز تأهيل مهني خاصة تديرها مؤسسات تأهيل للمعاقين . أملا في الحصول على تأهيل مهني ملائم إلا انهم في الغالب يصطدمون بمحدودية الخيارات حيث أن المهن التي يتم التدريب عليها في هذه المراكز قليلة جدا بالإضافة إلى كونها مهن بسيطة غير مطلوبة في سوق العمل مثل المكانس والعصى للمكفوفين وأعمال الخياطة للمعاقين حركيا . . اولا : الوعي والأفكار النمطية السائدة : تقف الأفكار النمطية السائدة حول المعاقين عائقا حقيقيا أمام دخولهم إلى سوق العمل حيث أن أرباب العمل يعتقدون بان المعاقين يحتاجون إلى المساعدة ولا يستطيعون العمل ولا تتوافر لديهم المهارات اللازمة للقيام بالأعمال المطلوبة، ويمكن أن يشكل عبئا عليهم .. ثانيا: الواقع التعليمي للشباب ذوي التحديات : نال عدد لا باس به من الشباب ذوي الاعاقات قسطا وافرا من التعليم على مدى السنوات السابقة ولا زال قسم منهم يلتحقون بالمعاهد والجامعات و الثانويات سواء في داخل الوطن أو خارجه ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى أن المكفوفين كانوا ولا زالوا اكثر حظا من أقرانهم من ذوي الاعاقات للحصول على الإجازات العلمية من درجة الماجستير والدكتوراه، وكما أن الصم اقلهم حظا وتكاد أن تكون فرصهم في الحصول على التعليم الثانوي والعالي معدومة تماما. أما بالنسبة للإناث فهن اقل حظا من الذكور في الحصول على فرص تعليمية مهما كان نوع إعاقتهنثالثا: الوعي المجتمعي : يعتبر الوعي -بقدرات ذوي الاعاقات واحتياجاتهم وحقوقهم- من أهم العوامل التي تؤثر على حجم مشاركتهم في العملية التعليمية ذاتها وبمدى انتفاعهم بفرص التعليم المتاح فهم لا يرسلون إلى مدارس لان الأسرة تعتقد أن لا فائدة من تعليمهم وانهم لن يستطيعوا التعلم وكما يقول بعض الآباء أن مكوثهم في المنازل افضل من إرسالهم إلى المدارس كما يفضل بعض الآباء توفير الأموال التي تصرف على أبناءهم المعاقين خلال التحاقهم بالمدارس وصرفها على إخوانهم وأخواتهم من غير المعاقين ، وتعتقد بعض الأسر بان خروج أبناءها ذوي الاعاقة من البيوت يسبب الإحراج وربما يسئ لسمعة الأسرة . على صعيد مشاركة ذوي الاعاقة في العملية التعليمية فانهم يصطدمون بقلة وعي زملاءهم الطلاب والطواقم الإدارية والتدريسية يامكاناتهم وقدراتهم واحتياجاتهم حيث يتعرضون للمضايقات و لعدم التفهم مما يؤدي إلى تسربهم من المدارس .رابعا :قلة التسهيلات الهندسية والإجرائية : تعتبر العوائق الإنشائية أحد أهم العوامل التي تؤثر سلبا على حجم مشاركة الطلبة الذين لديهم إعاقات حركية في البنية التحتية للمؤسسات التعليمية والبنية التحتية للمدارس والجامعات لا تحتوي على التسهيلات البيئية الهندسية المطلوبة لتسهيل حركة ذوي الاعاقة فهي تعيق تنقلهم وانتفاعهم بمرافق تلك المؤسسات واستعمالها بحرية وكرامة فوجود الأدراج مثلا يجبر مستخدمي الكراسي المتحركة على طلب المساعدة من الآخرين بشكل مستمر مما يؤثر سلبا على علاقاتهم الاجتماعية ويسبب لهم التوتر النفسي الدائم ويقلل من حجم مشاركتهم في الحصص الدراسية والمحاضرات و من زيارتهم للمكتبات والمرافق الجامعية التي لا تتوفر فيها التسهيلات . التسهيلات الإجرائية - والتي نقصد بها تلك الإجراءات المطلوبة للتغلب على المصاعب التي تسبها الإعاقة والتي تساعد الطلبة في الحصول على بدائل تمكنهم من ممارسة العملية التعليمية بشكل عادل ومجدي ، ومن أمثلتها الوقت الإضافي للمكفوفين لإجراء الامتحانات، مترجم لغات الإشارة للصم إن عدم وجود هذه التسهيلات وعدم وعي ومعرفة الجهات المختصة بها يعتبر تقصيرا خطيرا يحد من تمتع الطلبة ذوي التحديات بحقهم في التعليم ويسبب لهم مضايقات مستمرة قد تؤدي بهم إلى التسرب من التعليم أو إلى انخفاض مستوى تحصيلهم العلمي الأكاديمي. خامسا :عدم توفر الأدوات المساعدة : عدم توفر الكتب المطبوعة بخط بريل و الطابعات الخاصة بها و أجهزة الحاسوب الناطقة والكتب ذات الخطوط المكبرة والكتب المسجلة على أشرطة للمكفوفين وضعاف البصر ،وعدم توفر القواميس بلغة الإشارة ووسائل تعليمية خاصة أخرى تجعل مواصلة التعليم للطلبة ذوي التحديات الجسدية أمرا صعبا للغاية ،ففي حين تتوفر هذه الأجهزة والوسائل لا قرانهم يحرمون هم منها إلا فيما ندر ولا تتوفر هذه الأدوات للمؤسسات التعليمية ولا توجد لدى الجهات المعنية خطة استراتيجية لتوفيرها لهم . سادسا:نقص الوعي المهني : يفتقر معظم أعضاء هيئات التدريس والإدارة في المؤسسات التعليمية إلى أساليب ووسائل للتغلب على المشاكل التي تواجه الطلبة ذوي الاعاقة ويقفون حائرين أمام أية مشكلة لعدم خبرتهم و معرفتهم بالمتطلبات اللازمة لحل المشكلة سابعا : عدم وجود استراتيجية وطنية لضمان حق ذوي التحديات في التعليم: كما هو الحال بالنسبة لبقية القطاعات فان قطاع التعليم يعاني -فيما يتعلق بذوي الاعاقة- من العشوائية في التخطيط سواء أكان ذلك على صعيد القبول في المعاهد العليا أو على صعيد التوجيه والإشراف وتقديم التسهيلات وإعداد البنى التحتية والوسائل المساعدة ، على سبيل المثال لا يوجد حتى الآن أية برامج تعليمية للشباب ذوي الاعاقة التعليمية (ذوي الإعاقات العقلية) . ثامنا : واقع ذوي الاعاقة الراهن في مجال السكن : يتعدى المفهوم الحديث للسكن الشقة أو المنزل ليشمل الأرصفة والشوارع والمرافق العامة والأسواق التجارية ووسائط النقل. كانت ولا زالت البنية التحتية الإنشائية في الجزائر تعاني من سوء التخطيط وبفعل التوجه العام للمنشاءات التجارية التي يحاول أصحابها توفير المساحة والأموال لتحقيق أعلى قدر ممكن من المكاسب المالية . تؤثر طبيعة تصميم المباني والمنشات العامة والخاصة على مدى انتفاع ذوي الاعاقة بها وخاصة أولئك الذين لديهم إعاقات حركية وبالتحديد مستعملي الكراسي المتحركة والعكازات. بنظرة خاطفة إلى الغالبية الساحقة من المباني العامة والمنازل نجد أنها تفتقر إلى ابسط شروط السلامة العامة والى التسهيلات التي نص عليها قانون حقوق المعوقين .فان المنازل الخاصة بالأسر التي يوجد لديها معاقين لا تراعي الاحتياجات الخاصة بهم ولا توجد برامج ومشاريع لأية جهة رسمية لإدخال التسهيلات على تلك المنازل عدد العمارات التي يوجد بها مصاعد كهربائية محدود وكثير منها ركبت بها مصاعد كهربائية لا تراعي المعايير والمواصفات المطلوبة لاستعمالات ذوي الاعاقة الحركية، والعديد منها توجد به أدراج يجب المرور بها قبل الوصول إلى المصاعد الكهربائية ، وبالتالي تصبح غير مسهلة لاستعمالات ذوي الاعاقة و أحيانا غير ممكنة الاستعمال على الإطلاق وهذا ينسحب على الأسواق التجارية والمطاعم ودور الترفيه (المسارح ودور السينما والنوادي) والعمارات السكنية الخاصة ومكاتب المحامين وعيادات الأطباء ومؤسسات الخدمات العامة والأهلية والوزارات وعلى رأسها وزارةالتضامن و الشؤون الاجتماعية والمدارس والجامعات . أما بالنسبة للأرصفة في الشوارع فهي تمتاز بوجود الأعمدة المختلفة والأدراج وامتدادات المحال التجارية وبسطاتها وأحيانا الحفر . امام هذه الوضعية الراهنة وجب القيام بعدة اجراءات الهدف منها:1 .نشر الوعي بحقوق ذوي الاعاقة واحتياجاتهم .2 .إدخال التعديلات على كافة المباني والمنشات والمرافق ومراكز الخدمات العامة الجديدة والقديمة وفق برنامج زمني محدد.3. وضع استراتيجية وطنية لدمج ذوي الاعاقة في المجتمع ووقف كافة أشكال التمييز ضدهم.4. تعيين مراقب دولة لمتابعة ضمان حصول المعوقين على حقوقهم في كافة المجالات .5. توعية أرباب العمل بقدرات ذوي الاعاقةعلى العمل وحقهم فيه . 6. جعل أماكن العمل مسهلة وملائمة لتمكين ذوي الاعاقة من الوصول إليها . 7. تقديم تسهيلات ضرائبية مالية لأصحاب العمل من اجل تشجيع تشغيل ذوي الاعاقة . 8. تشجيع ودعم ذوي الاعاقة لإقامة مشاريع مدرة للدخل . 9. مراقبة المؤسسات الخاصة التي تشغل ذوي الاعاقة ومنع استغلالها لهم. 10. جعل مراكز التكوين المهني العامة مسهلة لاستعمالات ذوي الاعاقة. . وعلينا أن نعي أنه لا يمكن لأي قطاع من القطاعات أو فئة اجتماعية من تحقيق مشاركة فاعلة وجدية في بناء المجتمع إذا لم تتمكن من الوصول إلى حقوقها الأساسية في الحق في التعليم والسكن والعمل الخ لذا فأنه من الطبيعي لتحقيق المشاركة في الحراك السياسي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي للمعوقين أن نفيد من الاتجاهات الإيجابية والمبادرات الرائدة التي ترسم خطوط مشرقة لمشاركة حقيقية للمعاقين في تلك المجالات .