رأيتهم في أحد المجالس صبية صغار .. لو انكفأ عليهم الإناء لوسعهم ... تعلو وجوههم العبرات..
زائغي النظرات..
تخنقهم الآهات..
هجرتهم المسرات..
يلتفتون يمنة ويسرة ولا يجدون الأم التي تحنو عليهم، وترنو بنظرها إليهم... يتعثرون فيسقطون ويبكون, فلا تمتد إليهم اليد الحانية التي لطالما امتدت .وإليهم حنت ... ولخصلهم داعبت، وعن غيرهم ذهلت.
ولسان حالهم يقول:
ماذا ورائي؟! وهـل قلبٌ سيفقدني
يوماً.. وتسهرُ في ليلِ الأسى مُقلُ؟
مـاذا ورائي؟! وهل دارٌ أُبارحُهـا
غداً بأدمُعِها في البين تغتســلُ؟
مـاذا ورائي؟! وهل مهدٌ درجتُ به
يغدو عليهِ سِتارُ الحُزنِ ينسـدِلُ؟!
والرجل عندما يحرم الأم من أبنائها فكأنما يحرم أبناءه من النورانية والضوء المتلألئ فيهم.. فتخال أبناءه أجساداً بلا حياة، وأقماراً بلا ضياء وأنفاساً بلا هواء، فقلوبهم منكسرة .. ..ودموعهم منهمرة!!
أيها الأب: أي قلب جلمود الذي يفزع هؤلاء الصغار بأمهم"الدنيا"، ويفجع هؤلاء الأزهار بأمهم "الحياة"، ويفرغ خزانة قلبه من الحب!
ويلي!وأسفي ! وحزني! على ذلك الطفل الذي يبكي فلا يجد من يمسح دمعه..
ويجوع فلا يجد من يملأ بطنه..
ويعرى فلا يجد من يكسو جسده..
ويصرخ فلا يُسمع صوته..
أيها الأب: ما من أنّة إلا وأنت مسئول عنها... ما من آهة إلا وأنت مصدرها
يا من استللت الأم من أبنائها لكأنك استللت العين من أحداقها.. وألبست أجسادهم ثوب الكهولة، ونزعت منهم أفراح الطفولة، وجعلت منهم رجالاً بأجساد أطفال, وأطفالاً بعقول رجال.
أُطوّقه ما شاء وجدي ولوعتي
وألثُمُـهُ لثماً, وأنشـقهُ نشـقا
أُوسدُه زندي, وأُدنيه من فمي
وخدي، وأبكيه, وألتزم العُنقا
ولا تعجب أن الأم تسمع أحلام أبنائها,لأنهم في عقلها، ووجودهم هو فرحها، وبكاؤهم مصدر شفقتها، ضحكاتهم مصدر فخرها، شقاوتهم جُلّ حديثها، وخدودهم موضع قبلتها، "ماما" تحمل كرامتها
وأنت فجعتها بالأمومة التي خلقت لها, وطعنتها بالرجولة التي خولتها, ونزعت الشهامة التي كسوتها !!!!
فلا تتجاوز حد الإنسانية, وترتدي ثوب الأنانية فاعرف مشاعرها, وقدّر ضعفها, وارحم غربتها, واجبر كسرها في فقدها أيضاً لزوجها..
ما عدتُ أنتظر المجيء ولا الحديث ولا اللقــــاء
ما عدتُ أرقبُ وقع خطوِكَ مقبلاً بعد انتهـــــاء
ما عدتُ أهرعُ حين تقبل باسماً رغم العنـــــاء
ما عاد يطرقُ مسمعي في الصبح صوتُك في دعـاء
وللأم التي تنبذ أبناءها بملء إرادتها:
تحملي الوجود لأجلهم ....... لأنهم هم وجودك!
صابري في الحياة بهم ....... لأنهم هم حياتك!
أوصالهم من لحمك، أنفاسهم من روحك ولمدة "تســـــــعة أشهر" كان قلبهم تحت قلبك! فهم بقيتك الباقية
فلا تفتتي كبدك
ولا تمزقي أحشــاءك "بيدك" !!